يوم الثلاثاء: 3 فبراير 2011
أغلق أحمد باب غرفته ثم كشف عن ساقه ..... أخذ يتأمل جرح عميق في ساقه
أخذ يتذكر أحداث يوم جمعة الغضب .... فقد قرر أن يقاوم خوفه الذي تربى عليه سنين من عمره
قرر أن ينزل لكنه لم يخبر أهله ولا حتى خطيبته ..... قرر أن ينزل دون أن يعلم أحد
تحجج أنه ذاهب إلى صديقه العائد من السفر ليمكث معه اليوم كله
تذكر كيف فتح رجال الشرطة النار على أهل وطنهم وكيف تساقط حوله المصابين ......
تذكر كيف قاوم الشعب خوفه فصمد وانتصر على هذه الجحافل الباطلة
تذكر كيف أصيب في قدمه هذه الإصابة جراء الكر والفر بين المتظاهرين والشرطة
كان أحمد ينزل يوميا إلى ميدان التحرير ولكنه كان يعود قبل مغرب الشمس بقليل ليتفادى قلق و ريبة الأهل
فتح والد أحمد الباب فجأة قائلا: أحمد ألحق مبارك هايقول خطاب كمان شوية ..... يارب يغور بقى ويرحنا
قام أحمد مفزوعا قائلا: والله بجد .... يارب يا بابا يا رب
الأب : أحمد إيه إللي في رجلك ده؟؟؟
أحمد: لا دي إصابة بسيطة .... ما تشغلش بالك
الأب: أحمد أنت هاتلف وتدور عليا .... من إيه دي؟؟
تلعثم أحمد ....... فحاصره الأب غاضبا: أنت بتنزل مظاهرات يا ولد
أحمد: الصراحة يا بابا..... أه بنزل ساعات
الأب صارخا: تعالي يا أم أحمد شوفي أبنك الثورجي ..... ابنك بينزل المظاهرات .... بينزل عشان ياخد رصاصة ويموت ويموتنا معاه بالحسرة عليه
جاءت الأم مهرولة: ازاي يا أحمد وانت مالك ومال الكلام ده
أحمد: بابا... ماما ...... أنا بنزل عشان أجيب حقي إللي راح ...... بنزل عشان لما أخلف إن شاء الله أولادي يعيشوا بحرية ...... بنزل عشان حقي وحقك وحق كل واحد في البلد دي ...... أنتم عايزني أشوف زمايلي وصحابي كل واحد فيهم نازل وأنا أقعد في البيت
اسف إني ما قلتش لكم ..... بس أنا كنت عارف إنكم مش هاتوافقوا
الأم: أحمد إنت فرحك كمان شهر ..... ازاي تعمل كدة يا بني
الأب: يا بني ... أحنا ناس مش بتوع مشاكل .... إحنا بنمشي جنب الحيط
استفز هذا الكلام أحمد بشدة ...... وبدأ في الرد : بابا بص ...
قاطعته أخته الصغيرة قائلة: إلحقوا يا جماعة مبارك بيقول الخطاب
أسرع الجميع لمشاهدة الخطاب...... وسكت الجميع عن الكلام ممنيين النفس بأخبار سعيدة.......
جاء خطاب مبارك مخيبا لآمال أحمد بشدة ...... فرغبته ورغبة كل الثورة كانت هي رحيل مبارك وأعوانه ... هذا هو الثمن الوحيد لدم الشهداء الذين سقطوا.......
ذهب أحمد لينام مباشرة ليوفر على نفسه خناقة بينه وبين والديه ...... واستعد ليوم جديد في الميدان.....
استيقظ أحمد في الصباح مبكرا وفتح قناة الجزيرة كالمعتاد
وقعت عينيه على خبر: اشتباكات بين المتظاهريين والبلطجية....
غلى الدم في عروق أحمد واحس بالقلق .... هناك لعبة حقيرة تلعب في الخفاء وبدت تظهر معالمها
لو كان مبارك يريد حقا الإصلاح وأن يفتح صفحة جديدة مع الشعب فلماذا ينزل البلطجية في وقت واحد في عدة محافظات؟؟؟
أخذ أحمد يفكر قليلا حتى توصل لاستنتاج معقول : إنها لعبة حقيرة من مبارك لإخراج المتظاهرين من الميدان بواسطة البلطجية واظهار الموضوع على أنه متظاهرين ضد متظاهرين.....
أنا نازل الميدان .....
دخل أحمد ليلبس ملابسه استعدادا ليوم جديد في حياة الثورة......
خرج أحمد من غرفته متوجها إلى باب الشقة بسرعة ممنينا نفسه ألا يصطدم بأي من والديه ..... لكنه وجد والدته واقفة على باب الشقة ....
الأم: أحمد إنت رايح فين؟
لم يرد أحمد أن يقوم بعملية اللف والدوران المعتادة فأجاب: التحرير يا ماما ...أجيبلك حاجة وأنا مروح؟؟
الأم : يا بني أنت عايز إيه تاني ما الراجل قال مش هايرشح نفسه تاني مخلاص بقى اهدى وسيب الناس تشوف
أكل عيشها ...أحنا تعبنا من القلق إللي أحنا عايشين فيه ده ...
قاطعها أحمد: ماما ..... وأنتي مصدقاه.... ماهو بقاله 30 سنة معانا عمره صدق في حاجة؟؟؟؟ يا ماما إحنا لازم نطلع من الغيبوبة إللي إحنا فيها ..... يا ماما ده حتى ما اعتذرش عن دم الشهداء إللي اتقتلوا بسببوا..... ماما إحنا بقى مابينا وبينو دم دلوقتي .... وإنتي لو شوفتي إللي أنا شوفته يوم الجمعة كنتي نزلتي معايا......
بدا منطق أحمد قويا أمام والدته التى بدأت تلين مع إصراره الشديد
ودعها أحمد وانطلق........ إلى التحرير
شهد التحرير في هذا اليوم معركة لا تنسى ....... إنها معركة الجمال ..... هجم البلطجية ممطين الجمال والخيول على المتظاهرين العزل ولما أوقفوا تلك الهجمات بدأ هجوم المولوتوف و الحجارة ..... وبدا أن المتظاهرين مصممين على الحفاظ على ثورتهم فضحوا من أجلها بكل ما يملكون ......
رن هاتف أحمد المحمول .... فوجد اسم والده على شاشته ... رد أحمد ........ خاطبه والده منوعا أسلوبه ما بين تهديد ووعيد واستجداء واستعطاف ... كل هذا لكي يعود ولكن هيهات ....... هيهات لمن كان يشتاق لرحيق الحرية أن يتراجع وقد بدأ يشم شذاها .....
أغلق والد أحمد الهاتف بعد أن فقد الأمل في إقناعه ......
وعاد أحمد مع الأبطال من جديد ليصدوا هجمات الأوغاد , ولكن ما لبث أن رن هاتفه مرة أخري .... إنها خطيبته.........
الخطيبة: أحمد إنت إيه الموديك التحرير ...إنت بتهزر أكيد ...إنت ازاي مش تقولي على حاجة زي ديه ......
بدأ أحمد يشرح نفس أسطوانة الحرية من البداية ...... لكنه وجدها في عالم أخر.... وجدها تشتكي من أنها لا تستطيع الذهاب إلى المول وأن السينمات مغلقة ووووو غيرها من الأشياء التافهة.....
أحمد: بصي .... أنا أخدت قرار و مش هارجع فيه أبدا...... أنا مكمل هنا ومش راجع البيت لغاية لما يتنحى مبارك فاهمة...
الخطيبة: بص يا أحمد أنا مش مستعدة ارتبط بواحد كل يوم ماشي في مظاهرات وبعدين يمسكوه في أمن الدولة ....... أحمد أنت لو مرجعتش دلوقتى يبقى كل واحد مننا في طريق ...... وأغلقت الهاتف
لم يمكث أحمد وقتا طويلا ليأخذ قراره ...... فهو يخاف من أن تصيبه لعنة التقصير في حق الشهداء ......
أغلق أحمد هاتفه وانطلق إلى جبهة الميدان ليحمي الثورة غير مباليا بالموت.......
لأنه يعلم أن الموت في هذا المكان طريق الحياة....
طريق حياة مصر!!!